Sunday, March 9, 2008

عن الموسيقي و الحياة




عن الموسيقي و الحياة





من الصعب تخيل هذا العالم بدون الفن. ففي عالمنا الملئ بالأحداث السريعة المتاعقبة نحتاج لوجود الجانب الفني و الجمالي اللذي
يقوم علي وصف هذه الأحداث و تصويرها بشكل خاص و مميز في اختيار الشاعر للكلمات و في تناسق و تناغم الألوان لدي الرسام, في تصاعد أحداث الرواية التي يألفها الأديب, في روعة ألحان الموسيقار, أو حتي في تصميم المهندس أو تكتيك المدرب في المباراة. فالفن ليس مقصورا علي مجالات الفنون بمعناها المتداول, بل هو أسلوب و منهج يتخذه الانسان عند عمل شيء ما. لذلك فالفن ليس حكرا علي فئة أو صفوة من المجتمع حيث أن كلنا نطبق و نتذوق الفن بشكل أو باخر في حياتنا اليومية.ينظر معظمنا الي الموسيقي الكلاسيكية علي أنها فن معقد لدرجة تحتم علي أي شخص يرغب في الاستمتاع بها أن يكون دارسا أو ملما بمفاهيمها. لا أنكر هذه الحقيقة حيث أنه لا شك أن الاستمتاع بالموسيقي يزيد كلما زادت المعرفة و المعلومات الموسيقية لدي المستمع, و لكن أليس هذا هو الحال في شتي مجالات الحياة ليس فقط الفنون ؟ لماذا نبتعد عن الشيء و نفقد جميع مزايا التمتع به لمجرد أنه صعب أو يحتاج لبعض الفهم . . ليس هذا انتقادا للموسيقي العصرية و لاكنه ليس أكثر من توضيح لأحد الفوارق الجوهرية بين هذين النوعين من الموسيقيالفرق الرئيسي بين الموسيقي الكلاسيكية و الموسيقي المعاصرة اللتي يستمع اليها الناس الاّن هو أن دور المستمع للموسيقي الكلاسيكية يختلف, و هنا يجب أن نبين الفرق بين الاستماع الحاضرActive) Listening) و الاستماع السلبي (Passive Listening) . فالأغاني و الموسيقي الحديثة لا تتطلب سوي تشغيلها و ستقوم الألحان و الكلمات بالوصول لأذن المستمع بسهولة و بطريقة تتيح له التمتع التام بها و بالجو الذي تخلقه. ليس هذا انتقادا للموسيقي المعاصرة و لاكنه ليس أكثر من توضيح لأحد الفوارق الجوهرية بين هذين النوعين من الموسيقييختلف الحال في الموسيقي الكلاسيكية حيث أنه من الصعب أن تستمع الي سيمفونية لبيتهوفن أو لكونشرتو لراخمانينوف بمجرد تشغيلها . قد نشعر بالجو الراقي الذي يتواجد في المكان عند سماع الموسيقي الكلاسيكية و لكن الحقيقة أن كل هؤلاء المؤلفين و الموسيقيين لم يكتبوا هذه المؤلفات فقط لخلق جو مختلف. هناك معاني كثير’ و أغراض سامية وراء كتابة كل عمل موسيقي. و كم تختلف تجربة حضور حفل سيمفوني اذا كان هناك برنامج أو شرح وافي للموسيقي المعزوفة لتقرب الناس منها و تمهد اّذانهم و عقولهم لما سوف يستمعون له. لا يتوقف دور الموسيقي فقط عند الصوت المسموع بل هناك أشياء عديدة وراء هذا الصوت و أغراض نبيلة يعبر عنها هذا الصوت. فنستمع الي الشجن و الكاّبة المشيبة بالاضطراب في موسيقي شوبان للبيانو التي تعبر عن حياته البائسة التي انتهت في سن التاسعة و الثلاثين بمرض السل, و نستمتع بالمرح و حب الحياة و روح الطفولة في موسيقي العبقري موتسارت الطفل المعجزة, و نشعر بالتطور في اسلوب تأليف الموسيقي عندما نقارن أعمال بيتهوفن في شتي فترات حياته حيث أن موسيقاه في مقتبل حياته و ريعان شبابه التي تختلف كليا عن موسيقاه عندما نضج و كون نفسه كأسم بارز في عالم الموسيقي اّنذاك حيث كان يحاول أن يتحدي الأساليب و يكسر القواعد المتعارف عليها منذ سنين و يكتشف أساليب جديدة ,التي بدورها كانت تختلف عن موسيقاه في أواخر حياته عندما أصيب بالصمم و كان يؤلف موسيقي تتسم بالعمق و الفلسفة التي تجعلك تستمع الي الموسيقي أكثر من مرة لتشعر بمعناها…. فهناك الكثير و الكثير وراء هذه الألحان.تلك فقط أمثلة عن معاني الموسيقي و علي ما هو وراء الألحان التي نسمعها. من خلال دراستي للموسيقي تعلمت أن دور العازف لا ينتهي عندما يستطيع أن يجيد عزف مقطوعة ما بصورة جيدة و بدون أخطاء, بل أنه لكي نطلق عليه فن يجب أن يرتقي العازف الي مرحلة فهم ما وراء النوتة الموسيقية و ما بين الخطوط, و هذا هو ما يمنع الاستغناء عن العامل البشرى في صناعة الموسيقي مثل كل الصناعات الأخرى حيث أنه مهما وصل ذكاء الاّلة فأنها لن تصل الي مرحلة من النضج تتيح لها فهم معاني الموسيقي و توصيلها للناس.وجدت الموسيقي لتكون وسيلة أخري لوصف الحياة و التعبير عن المشاعر بجانب الوسائل الفنية الأخري مثل الرسم أو الشعر. لكي نستمتع الاستمتاع الكلي بالموسيقي عند سماعها يجب أن نسعي و نبحث عن معاني هذه الموسيقي و ما المعاني المنشودة من تأليفها. و اذا بحثنا و سألنا فستجد دوما المعلومات الوافية سواء عن طريق القراءة أو عن طريق سؤال من يعرفون أو حتي عن طريق الانترنت الذي دائما لا يخيب اّمالنا في كمية المعلومات المتوافرة عليه. فقط ما أنشده هو أن تكون لدينا الرغبة في الاستمتاع و تذوق شيء عظيم و عالم

واسع لا ينتهي اسمه الموسيقي




كتبه للعظماء صديقي العزيز خالد غايش